أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة أن الاهتمام بإقامة وعقد المؤتمرات المعنية بحماية ورعاية الأطفال واليافعين ليس بالأمر الجديد ولا المستحدث، بل هو ذو علاقة مباشرة بالفطرة والمبادئ الإنسانية السامية، التي تعتنقها جميع شعوب العالم، مهما اختلفت حضاراتها وهوياتها، وقد نتج عن تلك المؤتمرات العديد من المواثيق الدولية والتشريعات والقوانين المحلية، التي تبرز حقوق الأطفال واليافعين في الحماية من الاعتداء بكل أنواعه ومصادره، والرعاية الشاملة وخاصة الثقافية والصحية والتعليمية، لينمو الأطفال واليافعون آمنين، وليشاركوا في صنع مستقبل ورخاء مجتمعاتهم أينما كانوا.
جاء ذلك خلال افتتاح سموه صباح أمس فعاليات وأعمال مؤتمر «الاستثمار في المستقبل ـ حماية الأطفال اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، والذي ينظم للمرة الأولى في المنطقة، وأقيم في قاعة الجواهر للمناسبات والمؤتمرات بمدينة الشارقة، تلبية لدعوة من قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، المناصرة البارزة للأطفال اللاجئين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وبحضور سموها شخصياً، إلى جانب حضور الملكة رانيا العبدالله، عقيلة ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وسمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي، ولي العهد نائب حاكم الشارقة، وسمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني، نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، والدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وأنطونيو غوتيريس، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والشيخة بدور بنت سلطان بن محمد القاسمي، رئيس هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق»، والشيخ خالد بن سلطان بن محمد القاسمي رئيس مجلس التخطيط العمراني، والشيخة عزة بنت سلطان بنت محمد القاسمي، والشيخة عائشة بنت محمد القاسمي، والشيخ سالم بن عبد الرحمن القاسمي رئيس مكتب صاحب السمو الحاكم.
والشيخ فاهم بن سلطان القاسمي رئيس دائرة العلاقات الحكومية، والشيخة نوار بنت أحمد بن محمد القاسمي، والشيخ ماجد بن فيصل بن خالد القاسمي، ومعالي مريم الرومي وزيرة الشؤون الاجتماعية، وأحمد محمد الجروان رئيس البرلمان العربي، وعدد من الشيوخ وكبار الشخصيات الرسمية، وأعضاء السلك الدبلوماسي، من السفراء والقناصل العاملين لدى الدولة، وجمع غفير من الباحثين والمهتمين والأكاديميين، وممثلي وسائل الإعلام المختلفة، من داخل دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها.
ظروف متغيرة
وأضاف سموه: للأسف الشديد، ونظراً للظروف المختلفة والمتغيّرة التي تحيط بالعديد من بلاد العالم، وخاصة منطقتنا في السنوات الأخيرة، نجد أمامنا الآن ملايين الأطفال واليافعين والنساء في حالة مأساوية قاسية نزحوا من ديارهم، هاربين من أهوال الصراعات والنزاعات المسلّحة التي تدمر بدون تمييز كل ما هو أمامها من بشر وممتلكات، ويتجاهل منفذوها ما تنادي به الأديان السماوية كلها، وكل ما تحتويه التشريعات والقوانين المحلية والمواثيق الدولية من الحقوق الأساسية.
وأشاد صاحب السمو حاكم الشارقة بالجهود التي بذلتها دول جوار مناطق الصراع وبعض الدول الأخرى والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، والمنظمات المعنية بجامعة الدول العربية وبعض مؤسسات المجتمع المدني كل في مجاله، بإقامة المخيمات المؤقتة لإيواء اللاجئين والنازحين وتقديم المساعدات المادية والعينية والتنسيقية، والعمل على توفير بعض الخدمات الأساسية في المخيمات.
ممارسات وحاجات
وأردف سموه قائلا: لقد تبين جلياً من خلال الممارسات الفعلية في أماكن تجمع اللاجئين والنازحين الحاجة الملحة لزيادة ودعم التعاون بين جميع المشاركين في تقديم الحماية والرعاية الشاملة وخاصة في مجالي الصحة والتعليم داخل وخارج المخيمات لتعظيم الاستفادة من الجهود المبذولة ولتأهيل الأطفال واليافعين لمستقبل أفضل بإذن الله لهم ولمجتمعاتهم، ونحن نتوق لمعرفة خلاصة خبراتكم وتوصيات مؤتمركم في هذا الشأن.
وأعرب سموه عن أمله في أن تؤدي الحوارات والمناقشات إلى الخروج بتوصيات عملية مبتكرة تتلاءم مع أوضاع منطقتنا لدفع الجهود المبذولة لحماية وتوفير الرعاية الشاملة للأطفال واليافعين النازحين من ديارهم في ظروف قهرية قاسية، داخل وخارج بلادهم.
سلام على الأرض العطشى
ومن جانبها بدأت الملكة رانيا العبدالله حرم عاهل المملكة الأردنية الهاشمية كلمتها بالسلام، وقالت سلام على كل أرض عطشى.. مقسمة بالنزاعات، وكل طفل سلبته الخلافات سنوات لعب؛ وعلم، وأمان.
وتقدمت بالشكر والتقدير لدولة الإمارات عامة وإمارة الشارقة خاصة، وصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وسمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، وللمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على عقد وتنظيم هذا المؤتمر.
وقالت الملكة رانيا العبدالله: شهد عام ألفين وأربعة عشر أكبر النزوحات الإنسانية. كارثة تلو الأخرى حول العالم تلقي بملايين الناس خارج حياتهم. عدد الذين تركوا منازلهم فاق الخمسين مليون لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية؛ وسوريا هي الأكثر تأثراً، مشيرة الى ان نصف الشعب السوري تقريباً مهجر. وواحد من كل ثمانية سوريين ترك وطنه، يتركونه بعد أن يتمزقوا بين مطرقة واقع مرير.. وبين سندان اللجوء إلى المجهول، والاقتلاع من الوطن.. يخلق واقعاً جديداً.. فالدنيا صغيرة عندما ننظر إليها ونحن آمنين.. لكنها موحشة وكبيرة وغريبة لمن لا يعيش في أمان، في حين عندما يخرج الإنسان من وطنه قسراً، يترك رفات أجداده تحرس روح الوطن وذكرياته، وينتقل من كونه ملكاً في بيته إلى كونه رقماً.
بالرقم يأكل؛ وبالرقم يسكن؛ وبالرقم يعيش، حتى في الإعلام يصبح واحداً من ملايين الأرقام العابرة التي تذكر في نشرات الأخبار.. أرقام لجأت من هنا لهناك، مات منها كذا، وجرح كذا.. وعندما ينتهي سفك الدماء تقل حملات الإغاثة؛ وتفقد الأرقام أهميتها في الأخبار، وفي فكر الناس ودعواتهم.
واوضحت الملكة رانيا العبدالله ان هناك أكثر من مليون سوري في الأردن، منهم ستمئة وثلاثة عشر ألفاً فقط مسجلون في الوثائق والسجلات، فمع أن الأردن صغير بحجمه؛ إلا أنه كبير في انتمائه القومي والإنساني.. والبركة المطروحة في أرضه، والشهامة الأردنية لا تقبل الذل والمعاناة والتشرد لأي عربي، والمعروف انه منذ عقود والعالم يعرف جيداً أن بإمكانه الاعتماد على الأردن في المواقف الإنسانية الصعبة، وعلى العالم دور كبير في مساندة جميع الدول الحاضنة والمستضيفة للاجئين، لأن في هذا استقرار لمنطقتنا، لكن هناك عجزاً واضحاً في العطاء الإنساني؛ فالاحتياجات لتخفيف المصائب والمحن تفوق ما يقدم بكثير.
وذكرت العبدالله ان تقديرات الأمم المتحدة لحاجة الدول المستضيفة للاجئين السوريين تتجاوز ثلاثة مليارات دولار لتغطية نفقات احتضان اللاجئين في عام ألفين وأربعة عشر! لم يتبق من عامنا هذا سوى شهرين! ولم يتم تأمين سوى خمسين في المئة فقط من هذا الرقم، وان هذه الأرقام تغطي نفقات اللاجئين المسجلين وليس كلفة استضافة النازحين ككل، إذ إن العائلة النازحة؛ والعائلة المواطنة التي تشاركت معها في مواردها الشحيحة من مياه وطاقة وكهرباء، والطفل الذي ترك مدرسته وبيته ووطنه؛ والطفل الذي اكتظ صفه؛ وتقاسم عطاء معلمه؛ ووقت حصته الدراسية، كلهم بحاجة للدعم، لئلا يشعر أي منهم بالقهر.
واشارت الى ان ثلاثة أعوام انطوت وطفولة اللاجئين تمضي.. وللطفل ثلاثة أعوام هي عمر. فماذا تقول الأم في المخيم لأولادها؟ أي قصص نوم تقرأ لهم؟ أي أنشودة لأحلامهم؟ وأي حب لأية حياة؟ فالحياة التي كانت تحتضن طفولتهم وترعاها، ينامون هانئين وسط أهلهم. أما الحياة التي يتمتهم وأهانت أهلهم وذلت كبيرهم أمام أعينهم.. أية حياة؟ حياة صفعتهم بالمآسي؛ حولت ملاعبهم إلى ساحات ينتهك فيها كل شيء. صدمتهم الحياة بقسوتها وإجحافها في حقهم. أثقلت أعوامهم الصغيرة بهموم وتراكمات ندوب جسدية ونفسية.
أية طفولة وأي مستقبل ينتظر الأطفال في أوطاننا العربية الممزقة؟ لذا هل سنرضى لهؤلاء الأطفال.. للملايين من هذا الجيل أن يكبروا وهم يعتقدون أننا رأينا حالهم والفراغ في مستقبلهم، ولم نفعل شيئاً؟، وهل سنفعل ما بوسعنا؟ أم نفعل ما علينا فعله؟، وهل سنتركهم يشعرون بالخيبة والظلم والقسوة على عالم تجاهل آلامهم. هناك مئات الآلاف من الأطفال العرب خارج المدارس بسبب النزاعات، وان أثمن ما قد نقدمه لهؤلاء الأطفال هو تعليم يقيهم ذل الضياع.
واختتمت الملكة رانيا كلمتها بقولها: كل يوم يتمنى اللاجئ أن يفيق ويجد نفسه في حياته التي كانت ملكه، أو أن يحمله اليوم إلى حياة أخرى، لكن ليس هنا.. ليس هكذا، حيث ينتظر لعل الغد هو ذلك اليوم؛ فيعيش وفي نفسه غصة.. بأن لا تكون هذه الحياة هي ما يورثها لأبنائه، ويعيش على الأمل.. وبالإيمان.. وعلى وعود بأن الإنسانية لن تخذله في محنته. يعيش آملاً أن يكون إضافة للإنسانية، لا ضيفاً ولا لاجئاً.. ولا هارباً.. ولا باحثاً عن حياة. يعيش آملاً ألا يترك هذه الدنيا مجرد رقم، لذا فإن إغاثتهم وتمكينهم من العيش مسؤولية كل شخص خارج تلك الدوامة، لا عطفاً، بل واجب إنساني.
جلسات اليوم الأول
بعد الانتهاء من المراسم الرسمية لافتتاح اعمال المؤتمر، بدأت اولى جلسات المؤتمر، حيث طالب المشاركون في الحلقة النقاشية التي حملت عنوان: نحو توفير حماية افضل للأطفال واليافعين اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، باتخاذ اجراءات عملية لحماية الأطفال.
واستهلت الجلسة التي أدارها امين عواد مدير مكتب الشرق الأوسط وشمال افريقيا، الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر، التي تحدثت عن اهمية اعداد الآليات، بالتعاون بين المؤسسات الدولية، ومن خلال اشراك الأطفال انفسهم اصحاب القضية، وقالت من ابسط حقوق الأطفال الحصول على اوراق ثبوتية تمنحهم لاحقا حقهم في التعليم والرعاية حتى يتجنبوا الويلات وحمايتهم من التفكك والاستغلال. ودعت الى حماية المهجرين قسرا من العمالة، وايلاء جانب الدعم النفسي اهمية كبيرة ضمن الإطار الأساسي لحماية حقوقهم وفق التشريعات الدولية، وتحدثت بلغة الأرقام، قائلة ان 138 الف لاجئ سوري لهم اوراق ثبوتية، مسجلون لدى منظمات غير حكومية، بخلاف اعداد كبيرة جدا غير مسجلة ولا يلمكون ما يثبت وجودهم.
وتحدثت عن اهمية الوصول الى التفاف يحمل صبغة دولية من اجل وضع آلية موحدة لتسجيل اللاجئين في بلدانهم، بحيث تتاح لهم تقديم الخدمات التعليمية والمهارات والرعاية الصحية حتى لا يتحول اللاجئ الى مجرد رقم، بل اشخاص لهم كيان ووجود وربط البيانات بين الدول، مقترحة التنسيق بين الوزارات المعنية داخل كل دولة، مثل وزارة التضامن الاجتماعي والتعليم والداخلية، والتنسيق بينهم وبين منظمات المجتمع الدولي لخدمة اللاجئين، مقترحة رصد الخدمات التي تقدم للاجئين لتفحص النواقص وتلبيتها.
وقالت ان مصر تحتضن اكثر من 250 ألف لاجئ ما بين سوري وعراقي وارتيري وصومالي، ودعت المدارس المضيفة الى فتح ابواب مدارسها الحكومية ومستشفياتها، مطالبة حشد الجهود لمواجهة التحدي وضمان حياة كريمة، والتنسيق على المستوى الإقليمي والمحلي للتغلب على مشاكلهم، وايجاد قاعدة بيانات متاحة للتعرف على حجم المشكلة.
معرض يوثق مأساة اللاجئين بالصوت والصورة
«عندما تأتي إلى بلد جديد، تشعر وكأن الجميع فاقدٌ بصره».. بهذه الكلمات يتحدث لاجئ سوري كفيف عن معاناته في اللجوء إلى إحدى دول الجوار، وتظهر صورته ضمن معرض يوثق لمأساة الأطفال اللاجئين السوريين، بالصوت والصورة، يقام في قاعة الجواهر للمناسبات والمؤتمرات، ضمن فعاليات «الاستثمار في المستقبل – حماية الأطفال اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» الذي تختتم أعماله في الشارقة اليوم.
ويتضمن المعرض مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والأفلام القصيرة التي تروي معاناة اللاجئين السوريين الأطفال، داخل وخارج سوريا، وخاصة في مخيمات اللجوء، والتي تم اختيارها من أرشيف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع «القلب الكبير»، التي أطلقتها قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، المناصرة البارزة للأطفال اللاجئين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في يونيو 2013 بهدف دعم الأطفال اللاجئين السوريين والتخفيف من معاناتهم.
وتروي الصور الفوتوغرافية والأفلام القصيرة التي تتوزع على امتداد المعرض لقطات مأساوية من حياة الأطفال اللاجئين الذين مزقت الحروب والصراعات أحلامهم، وأبعدت كثيرين منهم عن مقاعد الدراسة، ليصبح العمل القاسي والصعب وسيلتهم الوحيدة لمساعدة عائلاتهم في توفير قوت يومها بعد أن ضاقت عليهم الظروف، وصاروا بالكاد قادرين على الشعور بمقومات الحياة الكريمة.
وفي إحدى هذه الصور، يتحدث أنس، الطفل اللاجئ، قائلاً: «أنا أفتقد للمدرسة، وللعب مع أصدقائي ومطاردة بعضنا البعض، ولعب الغميضة والكاراتيه»، فيما يروي ماهر في صورة أخرى قصة أكثر مأساوية يقول فيها: «تركنا منزلنا في سوريا منذ 13 يوماً، غادرنا في الخامسة صباحاً، وواصلنا المشي حتى السابعة مساءً، مشينا ساعات طويلة تخللتها استراحات وجيزة، لم يكن لدينا سوى الخبز لنأكله، ولم يكن لدينا أي خيار آخر، سوى شرب المياه الملوثة من المستنقعات».
وفي صور أخرى تتعاقب عناوينها، كما هي لحظات الحياة: التفاؤل، الأمل، حلم، فرح،.. يصور الأطفال تلك الدقائق النادرة والقليلة التي عايشوا فيها هذه اللحظات، فتظهر في إحدى الصور طيور صغيرة تحلّق في السماء، لتعبّر عن حلم أحد الأطفال في أن يتمكن من الذهاب إلى أي مكان يريد، دون متاعب، وفي صورة ثانية تفتخر الطفلة ملاك، بوجود تلفاز صغير بالأبيض والأسود في خيمتها، ليكون الوسيلة الوحيدة التي تمنحها شيئاً من التسلية والفرح.
وتظهر مجموعة من الصور الأخرى أطفالاً من أعمار مختلفة، في مشاهد حياتية مؤلمة، فمنهم من يحمل حقيبة تفوقه حجماً، وضع فيها كل ما تبقى من بيته، وفر هارباً بحثاً عن الأمان، وصورة لأخ وأخته يتخذان من أحد أكياس الطحين الفارغة مفرشاً لهم، فيما تزداد قسوة الحقيقة، مع صورة لأربعة أطفال اتسخت أيديهم وملابسهم بالزيت الأسود بعد أن تخلّوا عن مدارسهم وأصبحوا عمالاً قبل أن يستمتعوا بأيام حياتهم، فيما تبرز صورة أخرى مجموعة أكبر من الأطفال الذين لا تزيد أعمارهم على الخمسة أعوام، يتسلّقون سياج المخيم، باعتباره الوسيلة الوحيدة للتسلية!
فيلم قصير لأنجلينا جولي
تضمنت أعمال افتتاح المؤتمر فيلماً قصيراً مؤثراً قدمته النجمة العالمية أنجلينا جولي، المبعوثة الخاصة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أعربت خلاله عن دعمها للمبادرات التي تم اتخاذها لحل أزمة اللاجئين السوريين، وذلك بمساهمتها بهذا الفيلم الذي يسلّط الضوء على التحديات اليومية التي يواجهها الأطفال اللاجئين.
ويروي الفيلم قصة هلا، الطفلة التي تبلغ من العمر 11 عاماً، وتعيش هي وإخوتها حياة اللجوء في لبنان. وتناول الفيلم من منظور عاطفي هذه المحنة المأساوية والمعاناة الإنسانية الأليمة التي فرضت على أعداد كبيرة من السوريين، حيث نرى حالات كثيرة من الأطفال اللاجئين الذين فقدوا منازلهم، وفي كثير من الأحيان فقدوا الدعم الكامل الذي يحتاجه الأطفال اللاجئون.
وقالت جولي في الرسالة التي سبقت عرض الفيلم: «من المروع أن نرى من بين كل اثنين من اللاجئين في الشرق الأوسط طفلاً لاجئاً. آمل بأن يمنحكم هذا الفيلم القصير، الذي يعرض قصة فتاة صغيرة تدعى هلا، رؤية حول التحديات التي تواجه الأطفال اللاجئين، وآمل بأن تمثل قدرتها على التأقلم وقوتها مصدر إلهام لكم لتقوموا بكل ما تستطيعون القيام به، فردياً وجماعياً، لدعم هؤلاء الأطفال في وقت الحاجة وللمساعدة على إعادة السلام إلى سوريا».
جولة
زارت الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي معرض الصور المصاحب للمؤتمر، الذي يتضمن مجموعة كبير من الصور الفوتوغرافية والأفلام القصيرة التي تروي معاناة اللاجئين السوريين الأطفال، داخل وخارج سوريا، وخاصة في مخيمات اللجوء، والتي تم اختيارها من أرشيف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع حملة «القلب الكبير».
أنطونيو غوتيريس: معدل النزوح القسري في العالم غير مسبوق
أكد أنطونيو غوتيريس، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن معدّل النزوح القسري في العالم سجل مستوى غير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ فقدت تسببت الصراعات والاضطهاد بتهجير أكثر من 51 مليون شخصٍ حول العالم. وفي العام الماضي، اضطر أكثر من 32,000 شخصٍ إلى النزوح يومياً – أي بما يفوق معدّل النزوح اليومي المسجل قبل عامين فقط، بأكثر من الضعف، مشيرا الى ان هذه المنطقة الأكثر تضرّراً؛ فقد استضافت بلدان عديدة، بدءاً من موريتانيا وصولاً إلى اليمن، أعداداً كبيرة من اللاجئين. إلا أنّ أزمة النزوح التي تطرح أهم التحديات في العالم اليوم، هي بالطبع تلك التي تسبب بها الصراع في سوريا وامتداده الهائل إلى العراق.
واشار غوتيريس الى ان المفوضية سجّلت أكثر من 3.2 ملايين لاجئ سوريٍ في لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر؛ وهو أكبر عدد من اللاجئين تحت ولايتنا في الوقت الراهن. ولهذا التدفق أكبر الأثر على اقتصادات البلدان المُستقبلة ومجتمعاتها وعلى حياة المواطنين العاديين في المجتمعات المضيفة؛ فالبنى التحتية العامة والمدارس والمستشفيات في جميع أنحاء المنطقة مكتظة، كما أنّ ارتفاع معدّلات البطالة وتقلص قيم الرواتب وارتفاع الأسعار، كلها عوامل تتسبب بالمعاناة للكثيرين من أفراد المجتمعات المضيفة الذين يصارعون من أجل تلبية احتياجاتهم.
وفي الوقت عينه، يزداد اللاجئون السوريون ضعفاً، نظراً لنفاد مدخراتهم منذ وقتٍ طويل ولأن الكثيرين من بينهم على وشك إمضاء فصل الشتاء في المنفى للعام الثالث أو الرابع.
واوضح انه ينبغي أن يُقابَل سخاء البلدان المجاورة لسوريا بدعم دولي أكبر بكثير، بما يمكّنها من تلبية الطلب المتزايد على الخدمات والبنى التحتية المحلية.
واوضح ان مؤتمرنا هذا يتيح لنا فرصةَ لتجديد الالتزام الجماعي بتقليدَي الحماية الراسخين هذين وللعمل معاً من أجل تحسين حماية الأطفال اللاجئين في المنطقة. وآمل أن يساعد هذا الاجتماع في تعميق علاقات الشراكة بين الحكومات والمجتمع المدني والمنظمات الدولية والقطاع الخاص وتعزيزها وأن تثمر مناقشاتنا خطواتٍ محددة تضمن حماية أفضل وأملاً بالمستقبل للاجئين من أطفال ويافعين، مشيرا الى ان التأخير عن الاستثمار في اللاجئين الشباب هو إضاعة لفرصة كبرى وينبغي علينا القيام بما في وسعنا للحؤول دون تحول هؤلاء الأطفال إلى جيلٍ ضائع.
نبيل العربي يشيد بجهود جواهر القاسمي الاغاثية
أشاد الدكتور نبيل العربي الامين العام لجامعة الدول العربية بالجهود الكبيرة التي تقوم بها الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي من خلال حملة «القلب الكبير» لحماية الاطفال واليافعين من اللاجئين السوريين وتوفير الرعاية الصحية الطارئة والمواد الاغاثية الاساسية والمأوى والغذاء، وكذلك الجهود المقدرة التي تقوم بها المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين من توثيق وتوفير ظروف الامن الانساني لهم.
وقال: انه من المؤلم حقا ان نجتمع اليوم لنناقش قضية غاية في الاهمية والاسى في آن واحد.. قضية اصبحت تتعلق بمستقبل المنطقة العربية باسرها، قضية حماية الاطفال وتأكيد توفير الحماية لهم اثناء المنازعات المسلحة واثناء اللجوء، فالاطفال هم امل المستقبل ولا بد من حمايتهم ورعايتهم حتى يكون للمستقبل امل، مشيرا الى ان شلالات الدم التي نشهدها على الارض العربية في مناطق مختلفة في سوريا وليبيا، حيث ان هناك نقصا واضحا في وسائل وآليات التدخل الانساني للتعامل مع الازمات الدولية الكبرى، تلك الازمات التي تهدد ليس فقط مستقبل المنطقة ولكنها تمثل ايضا تهديدا خطيرا للامن والسلم الدوليين، ويؤكد مشهد موت واصابة الاطفال في المنطقة العربية الفجوة الكبيرة بين التشريعات والقرارات الدولية من جهة وامكانية تطبيقها من جهة اخرى.
أطفال غزة
واضاف الامين العام لجامعة الدول العربية: ان ما يواجهه الطفل الفلسطيني خير مثال على ذلك، فقد اشار التقرير الصادر عن المجلس الاعلى للطفولة في فلسطين خلال الاعتداء الاخير على غزة الى سقوط حوالي 597 طفلا شهيدا، واصابة ما يقارب 3347 آخرين، من بينهم الف طفل يعاني من اعاقة دائمة، كما ان ما يتعرض له الاطفال في سوريا والعراق وليبيا واليمن اصبح امرا يتنافى مع ابسط مبادئ حقوق الانسان، وحري بالبشرية ان تتضامن من اجل حماية اجيال لا ذنب لها سوى انها ولدت على ارض الصراع، واصبحت معاناتهم وفي ظل ارهاب اسود تتفاقم يوما بعد يوم وتعرضهم لاخطار غير انسانية سواء في دولهم او اثناء عملية الانتقال واللجوء.
واوضح العربي ان التقرير الصادر عن مؤسسة انقاذ الطفل يشير الى ان هناك ارقاما صادمة بشأن عدد الاطفال الذين تضرروا من القتال في سوريا.
صراعات
زينب بانغورا: الأطفال بلا حماية في المخيمات
تحدثت زينب بانغورا، وكيل الأمين العام والممثلة الخاصة للأمم المتحدة عن الصراعات التي يواجها الأطفال، وابرزها الاستغلال، التحرش، اليتم، الاستغلال الجنسي، الاغتصاب في اماكن الاعتقال والعقوبات على اساس عرقي، والزواج المبكر. وقالت ان الأطفال يهربون، وربما لا يجدون الحماية في نفس المخيمات، وذكرت ان الابتعاد عن العائلة يجعلهم في وضع هش، ما يؤدي الى استغلالهم جنسيا، واستغلال براءتهم، وهناك من يزوجون بناتهم صغارا بحجة الحماية، متحدثة عن غياب للأدلة التي تدين هذه الممارسات، واصفة هذه الممارسات بأنها لا تعرف الحدود ولا الاتفاقيات وبعيدة عن كل الأعراف.
واعتبرت التصدي للانتهاكات واجب انساني، مع ضرورة تسليط الضوء على الجرائم دون اي عقوبات تردع مرتكبيها.
وطالبت بانغورا بتحويل السياسات الى آليات عمل وعدم السكوت عن الاستغلال وتقديم الحماية للنساء والأطفال وحماية الصغار من اي انتهاك، مع ضرورة سن قانون يجعل حماية اللاجئين كاملة.
استعراض
مارغريت ايليس: حماية الشباب تتطلب تكاتفاً دولياً
استعرضت مارغريت ايليس نائب المفوض العام للأونروا جهود المنظمة في اغاثة اللاجئين، ووضع سياسات وخارطة طريق تعزز وضعية الأطفال اللاجئين، داعية الى تكاتف المجتمع الدولي لحماية الشباب، فالعنف تضاعف واعداد اللاجئين تتزايد بصورة كبيرة، ومن واقع خبرتهم مع اللاجئين التي تمتد قرابة 60 عاما تحدثت عن خمس نقاط، اعتبرتها مهمة في التعامل مع ملف اللاجئين في سوريا، الأولى حماية وخدمات تعليمية، حيث تؤمن الأونروا التعليم لأكثر من نصف مليون طفل، و260 الفا يحصون على حقهم في الرعاية الصحية، مشددة على ان هذه الخدمات يجب ان تكون مستدامة، فلا شيء يحمي الطفل اكثر من مجتمع آمن وتعليم، وركزت في النقطة الثانية على تعيينهم لـ 30 الف موظف فلسطيني للتعامل مع اللاجئين، لأنهم الأكثر قدرة على تفهم المجتمع ومشاكله، اما النقطة الثالثة فتتمثل في التعليم والمدارس، كمكان آمن وملاذ للاستقرار، اما النقطة الرابعة فأكدت على ضرورة حشد الدعم من اجل التعامل مع التحديات وايصال الرسائل، واعتبرت في نهاية حديثها ان تعليم الأطفال ليكون لهم صوت امر مهم للغاية، وبالتالي تبصيرهم بحقوقهم وواجباتهم.
جهود
آنا ريتشارد: توفير الدعم النفسي ضرورة
آنا ريتشارد، امينة سر مساعدة ـ مكتب السكان واللاجئين والهجرة في الولايات المتحدة الأميركية، الممثل الخاص للأمم المتحدة، فتحدثت عن اهمية دعم البرامج والعمليات، التي تدعو لحماية الأطفال في مناطق الصراع والعنف الموجه، وتحدثت عن التعاون الدولي،الذي سيجعلهم اكثر قدرة على توفير الحماية والإيفاء بالمتطلبات الخاصة باللاجئين، وتحدثت عن اوضاع بعض الأطفال الذين يتم استغلالهم بأشكال عدة، مقترحة تدريب متخصصين للتعامل مع الأطفال وتوفير الدعم النفسي لهم، وعدم القبول بأي استغلال، بحيث يصبح ذلك هو المسار، وشددت على نقطة توثيق وتسجيل الأطفال المواليد، ومعاقبة كل من يستغلون الأطفال، مطالبة ببناء النسيج الاجتماعي بين اللاجئين والدول المضيفة، وموجهة صرخة لضمير المجتمع الدولي بأنهم لا يريدون جيلا من الأطفال منزوعي الهوية والاسم والجنسية، فالأوراق الثبوتية تمنحهم شرعية في الوجود، وضربت مثلا بقيام الأردن بفتح مكاتب لتسجيل المواليد لحماية حقهم، وان 72 دولة تمنح الأطفال اللاجئين حق التسجيل عند الولادة، وانتهت الى ضرورة تحديد كل دولة لطبيعة التعاون المطلوب لتقديم الحماية والدعم اللازم.
فعاليات
«مشاركة الأطفال أداة لحمايتهم» في مناقشات اليوم
تركز جلسات المؤتمر في يومه الثاني على موضوع المشاركة كأداة للحماية، حيث يتضمن حلقة نقاشية تحت عنوان «مشاركة الأطفال واليافعين اللاجئين في حماية أنفسهم»، ومناقشة تتضمن 3 جلسات متوازية هي: العيش والتعلم بأمان: حماية الأطفال من خلال التعليم، والاستفادة من القدرات: اليافعون والشباب كعوامل للتغيير، والعائلات والمجتمعات عنصر أساسي في حماية الأطفال.
في حين ستتناول الجلسات المسائية مبدأ «الشراكة من أجل الحماية»، وستبدأ بخطاب رئيسي بهذا الخصوص، يسلط الضوء على الحاجة إلى إشراك القطاعات المختلفة من أجل إحداث تغيير إيجابي على مختلف مستويات الأوضاع الإنسانية، وسيلي ذلك مناقشة تتضمن ثلاث جلسات، هي: بناء الشراكات من أجل حماية الأطفال اللاجئين، والشراكات مع القطاع الخاص من أجل الأطفال، واللاجئون في وسائل الإعلام.
مشاركة
600 طالب يناقشون التشريد القسري
يشارك 600 طالب وطالبة في منتدى الشباب الذي يقام بالتوازي مع مؤتمر الاستثمار في المستقبل، حيث يناقشون في ورش تخصصية التحديات المتعلقة بالتشريد القسري في منطقة الشرق الأوسط، وتبصيرهم بأهم المبادرات التي اطلقتها الإمارات في مجال حماية اللاجئين، حيث تمثل الإمارات في هذا الإطار نموذجا للحراك الإنساني، الذي يعززه انعقاد المؤتمر، الذي يؤكد على رسالة الإمارات السامية التي تنتهجها في رسم صورة الأمل على وجوه اللاجئين، وهي ذات الجهود التي تعتبر استمرارية لنهج الإنسانية، الذي بدأه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس وباني نهضة الدولة، إذ إن المؤتمر يشكل امتداداً لدرب انساني عظيم.