المرأة العربية تعيد تشكيل خارطة الألفية الجديدة

بعيداً عن أي نقل غير موضوعي أو غير دقيق عن دور المرأة خلال تاريخها الطويل في المنطقة، فقد كانت المرأة العربية وما تزال تحتل القلب في مجتمعاتها، ففي كل مرحلة برزت كوكبة من النسوة العرب اللواتي خلقن الفرق وحفرن أسماءهن في ذاكرة الزمن. واليوم تحفل منطقتنا العربية اليوم بنساء سطرن أروع الأمثلة بشجاعتهن وصمودهن حتى غدون أيقونات يُشار إليها بالبنان، وربما تكون جرعة المرارة الزائدة أو التحدي في قصص نضال تلك النسوة هي التي أهلتهن لتبوء هذه المكانة، فمن مراهقة سورية لاجئة في الأردن جعلت منها الحياة أماً لإخوتها اليتامى، إلى سيدات أعمال اليمن اللواتي انطلقن في أعمالهن متسلّحات بالقلوب الكبيرة والأحلام الطموحة … وصولاً إلى زهرات الشارقة الفريدات والمتفردات بطرحهن لقضايا المرأة العربية المعاصرة من خلال معادلة متوازنة يقوم طرفها الأول على الإبداع، وطرفها الثاني الحفاظ على الهوية الثقافية والجذور الأصيلة، وربما يكون هذا الجهد النسوي من جملة الأسباب التي أسهمت في انتزاع إمارة الشارقة عن جدارة لقب عاصمة الثقافة الإسلامية.

واليوم تشكل قضية الحداثة مع الحفاظ على المنظومة الأخلاقية والجذور الثقافية جزئية في غاية الأهمية، وقد تكون نساء المنطقة قد تخطين بالفعل هذه الإشكالية القديمة المتجددة من خلال الممارسة على الأرض، حيث بات وجود المرأة في ميادين العمل أمراً مألوفاً بل وجزءً لا يتجزأ من مشهد العمل اليومي حولنا!

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار دور المرأة المحوري في الأسرة والنسيج الاجتماعي، فإن ملامح الصورة تزداد وضوحاً أمامنا، فإطلاق العنان لمواهب هذه المرأة وقدراتها الكامنة من شأنها النهوض بكافة الدوائر المحيطة بها، وبما أنها محور ونقطة ارتكاز، فلنا أن نتخيل النقلة النوعية التي سيخطوها المجتمع في حال تم هذا الأمر.

إن تمكين المرأة هو تمكين لمختلف أطياف المجتمع وتمكين لمكانة الدولة ونهضتها، ورسم ملامح حقبة يكون فيها الإبداع سيد الموقف وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة. كما إن تطبيق سياسة تمكين المرأة من شأنها فتح الباب على مصراعيه نحو فرصٍ جديدة بدءً من المستوى الأسري وصولاً إلى الآفاق الأكثر رحابةً، فالمرأة المثقفة هي المدرسة الأولى للطفل، وتكريس أي منظومة تعليمية وحتى أخلاقية تنطلق من ذهنية المرأة المتعلمة المؤهلة لغرس القيم والمبادئ في نفوس النشء.

ولا شكّ في أن المعرفة تشكّل الدافع الأساسي للمرأة ما يسمح لها ببسط جناحيها وفتح أبواب جديدة من الفرص وصقل أفكارها ونظرتها للأمور. فالمرأة وحدها قادرة على تحديد أهدافها في الحياة.

وفي بيئة حاضنة للإبداع والمبدعين كدولة الإمارات،وإمارة الشارقة، يعد تمكين المرأة أحد الأسس التي استند إليها في تشييد صروح الحضارة والبناء. وفي الشارقة تحديداً، جرى إطلاق العديد من المبادرات التي كرست المناخ الإبداعي للمرأة للانطلاق نحو تحقيق طموحها في بناء حياة مهنية تستند إلى أرقى الممارسات المتبعة عالمياً مع التشديد على دورها الأساسي في الحياة الأسرية والمجتمعية. وقد أتاحت هذه الاستراتيجية الطموحة للمرأة الذهاب بعيداً في تحقيق أهدافها وزيادة فعاليتها في المجتمع إلى أبعد الحدود والآفاق مع ترسيخ مكانتها كأم وأخت وزوجة وعنصر فاعل في الحياة العامة.

ولا أعتقد أن اجتماعنا اليوم هنا في هذا الصرح العلمي الرائد للاحتفاء بانطلاقة أكثر من 700 زهرة من زهراتنا نحو زخم الحياة الحقيقية، سوى تكريس لسياسة إماراتنا الباسمة في تمكين المرأة والتحليق بها بعيداً في آفاق الإبداع والتميز. ويستذكر المرء هنا كلمة الأب المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عندما قال: “إن دور المرأة لا يقل عن دور الرجل وإن طالبات اليوم هن أمهات المستقبل”.

إن خريجات اليوم مطالبات بأن يضعن هذه الكلمات المضيئة نصب أعينهن ليكن القدوة الحسنة للأجيال القادمة، فالأمانة ثقيلة وكبيرة، ولكن الثقة بقدراتهن أكبر. أيتها الخريجات انطلقن إلى حياتكن العملية بحفظ الله ورعايته وأصدق الأمنيات بأن يكون النجاح حليفكن كما هو اليوم.