من أجل إخوتنا السوريين..

جواهر بنت محمد القاسمي
المناصرة البارزة في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين
هيئة الأمم المتحدة

بالرغم من تحذيرات المؤسسات الرسمية المسؤولة عن المواطنين بالخارج في بلادي الإمارات من الذهاب إلى بيروت حفاظاً على سلامتهم في ظل الصراعات الطائفية التي تتجدد بين آن وآخر ، إلا أن هذه التحذيرات لم تقف حائلا دون القيامبمسؤولياتي في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بهيئة الأمم المتحدة كمناصرة بارزة للاجئين، ودون أداء ما يتوجب علي من مهام إنسانية لا بد منها مساهمة في تحقيق أهداف المفوضية، لذلك جاءت زيارتي مؤخرا للبنان.,ما أن لامست خطواتي أرضه منذ أيام، حتى أخذتني ذكريات جميلة عشتها في طفولتي خلال زياراتي لها مع الأسرة والتقائي بطبيعتها الساحرة وطيبة قلوب الناس فيها، وأسفت للحال الذي آلت إليه أجمل البلدان العربية وأرقى مصايفها وأهم وجهات العرب السياحيةالتي كانت ولا تزال رغم الظروف مفخرة السائحين فيها .. فالإنسان في عصرنا وفي كثير من الدول أصبحت أهميته تقاس على انتماءاته الطائفية والمذهبية لا على البعد الإنساني الذي يمتنع فيه عن إيذاء سواه وافتراض سوء النوايا خاصة من بني وطنه وجلدته .. هذا التفرق يؤدي إلى تمزق في كيان الحب الذي يقود الشعوب إلى تحقيق منجزات عالية المستوى قائمة على ثقافة إنسانية راسخة تجمع بين الهوية العربية والهوية العالمية، ومنذ أن وعينا على دنيا الإعلام والاتصال ونحن نعرف أن اللبناني متميز بثقافته وحبه للفنون الإنسانية الراقية وعشقه لهويته خاصة اللغة العربية الفصحى التي كنا ندهش بجماليتها وسلامة منطقها عبر الأعمال الدرامية الرائعة عبر سنوات خلتوالتي كانت تحمل من قيم الاحترام والالتزام والثقافة والأخلاق ما تحمل، وهذا من مقومات الجمال في لبنان.

هنا، وعبر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، جئت أتفقد أحوال اللاجئين السوريين في تجمعاتهم السكنيةكهدف رئيس للزيارة، فالتقيت بمجموعة من السيدات السوريات اللواتي شكون الحال وتحدثن بكل أسى عن أوضاعهن وأوضاع أبنائهن وأسرهن بعد أن شردوا من قراهم وبيوتهم وبلادهم كلها، وفقدوا حقوقهم الإنسانية في وطنهم خصوصا حق الشعور بالأمان والاستقرار والعيش الكريم، وتباحثت معهن حول توفير سبل الأمان المؤقتة واللازمة لهن ولأسرهن حتى يزيل الله عنهم هذه الغمة وتعود الأحوال إلى أفضل مما كان. وتضمن برنامج الزيارة الاطلاع على أحوال الدراسة والتعليم لدى الأطفال السوريين فدخلنا مدرسة خصصت الفترة المسائية فيها لهم بعد أن يغادرها طلاب الفترة الصباحية من إخوانهم الأطفال اللبنانيين، وهو أحد مشاهد الحب اللافت للانتباهوالذي يتعامل به اللبنانيون مع إخوتهم السوريين، معززين هذا التعاطف الجم بين إخوة العروبة والدم بالترحيب بهم في بيوتهم أيضا ليشاركوهم السكن فيها، وبتسخير مراكز تسوقهم أمام منتجات السيدات السوريات الحرفيات ، فساعدوهن في تسويق هذه المنتجات حتى يحققن دخلاً يسد بعضاً من حاجاتهن وحاجات أسرهن .

وفي مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، اطلعنا على نشاط العاملين وآليات توزيع المهام وحسن تنظيم العمل والأداء.. حرصاً على إيصال التبرعات إلى مكان إقامات السوريين سواء في بيوت مستضيفيهم من الإخوة اللبنانيين أو في الغرف التي يستأجر الواحدة منها أكثر من أسرة سورية تقيم فيها، وقد كان موضوع إسكان اللاجئين من إخواننا السوريين أكثر الموضوعات التي فرضت نفسها علينا في حواراتنا مع المسؤولينوالعاملين في المفوضية بحثا عن أفضل السبل لتحقيق مجمعات سكنية آمنة لهم، وتوصلنا إلى أنه لا غنى عن أهل الخير ممن يرغبون في مساعدة إخوتهم في تأمين السكنات المناسبة لهم على أن تفتح أبواب الاتصال بنا كي نضع يدنا بيدهم لنسهم في رفع معاناة اللاجئين اليومية.

ومما كان لافتاً للانتباه أيضاً همة العاملين في المفوضية وشغفهم بالعمل التطوعيومتابعتهم الدقيقةلكل صغيرة وكبيرة من احتياجات اللاجئين وإيصالها إليهم، فالبعد الإنساني والتعاطف مع اللاجئين شكل دافعاً قوياً لهم نحو بذل كل ما يستطيعونه من جهد لتوفير الاحتياجات، ولعل ما استوقفني هو أن أغلب هؤلاء العاملين من الأوربيين وشمال أمريكا مما جعلني أطرح العديد من علامات الاستفهام عن وجود المتطوعين العرب بين هؤلاء للقيام بهذه المهام الإنسانية خاصة وأننا أصحاب هوية ودين يدعوان إلى إغاثة الملهوف ومساعدة المنكوب بالمال والنفس والجهد والوقت .

لقد خرجت من هذه الزيارة وأنا أشعر بمسؤولية أكبر تجاه إخوةٍ لنا قدر لهم إن يواجهوا حوادث وتحديات صعبة واجهتها قبلهم مجتمعات عديدة وقد تواجهها مجتمعات أخرى، وتجاه كل إنسان منكوب في العالم فقد أبسط حقوقه في الحياة الكريمة.. و ما علينا سوى أن نقف مساندين ومعينين ومناصرين للإنسانية عموماً من دون النظر إلى الفروقات الثقافية والدينية والعرقية،أو النظر إلى الحسابات السياسية وتطلعات الأطراف المتنازعة على تحقيق قائمة مصالح وأهداف لا يكون الإنسان غالباوللأسف الشديد على رأسها،بل مع مرور الأيام وتتابع الأحداث المؤلمة والموجعة للضمير نكتشف أنه يزدادُ بعداً عن مقدمة قائمة المصالح إلا في بلدان أيدها الله تعالى بقيادات حكيمة وضعت شعوبها على رأس القائمة ..

و يبقى الأمل بأن القادم إن شاء الله أجمل للإنسانية , والغمة تزول أمام قوة أشعة الشمس..شمس أمة أخرجت للناس كي يهتدي العالم بالحب و الأمل و التفاؤل إلى علاقات أجمل أكثر حباُ و أكثر إنسانية.

ووجود مثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة يمثل بارقة أمل لكل المعوزين في العالم، فهي إعلان عن أن أي إنسان متعب في الدنيا ليس وحيدا، و يؤكد على ذلك اختيارهم للمناصرين البارزين والمساندين لهم ، لذلك كان لابد من زيارتي هذهللاجئين السوريين في لبنان، وأقول لهم :إن غدكم بإذن الله أجمل و أكثر أمانا.