تعمل الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، قرينة حاكم الشارقة بلا كلل على تحسين نوعية حياة السيدات والأطفال والعائلات، وعلى الحفاظ على الثقافة الحقيقية للإمارة في مكانها في قلوب المواطنين. تقرير ريم غزال.
ينطبق المثل القائل بأن وراء كل رجل عظيم إمرأة بصفة خاصة في الوطن العربي، حيث تعمل المرأة دوماً بجهد في الخفاء من أجل إحداث تغيير. يتنوع عمل سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي ما بين حملات التوعية الصحية والمسابقات الرياضية وإقامة نوادي ثقافية وإجتماعية ودعم المشروعات الجديدة.
تنظر قرينة حاكم الشارقة، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي إلى إسهاماتها في تطوير إمارة الشارقة باعتبارها مؤسس العديد من المنظمات والمبادارات التي ترسخ فلسفتها الشخصية “عش ودع غيرك يعيش”. وكما تقول: ” إذا عملت على توفير المنبر الصحيح والرعاية، فأنت تتيح للناس تحقيق أحلامهم الداخلية مهما كانت، وتحقيق ما يطمحون إليه بنجاح”.
تُرحب الشيخة جواهر بضيوفها في المجلس الواقع خلف مكتبها مرتدية عباءة ووشاح يتميزان بالبساطة. تُحيى زوارها بإبتسامة وتتأكد ما إذا كانوا يُفضلون الشاي أم القهوة. يوافق هذا العام مرور ثلاثون عاماً على توليها دورها رسميا. فقد عزمت على أن تكون مهمتها عقب زواجها بالحاكم هي تطوير الأفكار التي ألهمتها وتركت إنطباعاً لديها في شبابها.
وكان من أعز ذكرياتها قضاء وقتها في إتحاد الفتيات المرشدات، والذي أدى إلى إقامة مشروع يُشجع العائلات على السماح لبناتهن بالإنضمام للإتحاد. وتستعيد الشيخة جواهر الذكريات قائلة: ” كان وقت تقوية الروابط والتعاون والحب والمشاركة”، و”كانت كافة الفتيات بمثابة أخوات وكنا متساوون، كما كنا نشارك أفكارنا وخبراتنا مع بعضنا البعض”.
كما تذكرت قضاء الوقت في مزارع خاصة ليتعلمن من بعضهن ومن الطبيعة. وتقول: ” العمل التطوعي جزء كبير من كونك فتاة مرشدة. لقد كان ولا يزال تجربة هامة لتعلم القيادة وبناء الثقة”. إن الحركة الإرشادية والكشفية جزء لا يتجزأ من نظام الشارقة التعليمي. وفي عام 2007م منح إتحاد الفتيات المرشدات العالمي الشيخة جواهر جائزة الأمير بيندكت على ما قدمته من خدمات للحركة.
وتمثل أحد التحديات في التغلب على تحفظ بعض العائلات الإماراتية التي ترددت في السماح لبناتهن بأن تصبحن مرشدات أو تشاركن في أي نشاط إجتماعي. وأوضحت بأن السبب وراء ذلك هو تأثير المذاهب الإسلامية المتطرفة التي وجدت الكثير من مؤيديها داخل نظام التعليم خلال فترة الثمانينات. وقالت بأن أتباع هذه المذاهب “تولوا مناصب مؤثرة في وزارة التعليم وأدخلوا هذا التطرف في النظام المدرسي”. “فقد بدأوا بتحريم بكل شئ، وألغوا فصول الإبداع الفني والرياضة والدراسات المنزلية الترفيهية والفتيات المرشدات، كل ذلك وأكثر”. وتضيف قائلة بأنه كانت هناك رغبة في القمع “من قبل أشخاص لا يختلفون عن الإخوان المسلمين اليوم، دفعوا الناس للتطرف”.
“أنكر البعض أفكار وممارسات المتطرفين، فالتمسوا الإتجاه المعاكس، وانضم إليهم البعض الآخر فأخذوا يحللون ويحرمون وفقاً لأهوائهم”. أُزيلت هذه الأفكار المتطرفة من المدارس،وتمتعت إمارة الشارقة بمكانة تُحسد عليها لكونها مركزاً للثقافة، حيث تحتوي على أكثر من 17 متحفاً بالإضافة إلى المهرجانات التي تحتفل بالفن والأدب.
تتحمس الشيخة جواهر للدور الذي تلعبه النوادي الرياضية ومنظمات الفنون التشكيلية والمنظمات الإبداعية في الحد من السلوك غير الإجتماعي بين المراهقين وصغار البالغين. وتصر قائلة: ” أنت بحاجة لهذا المنفذ، أنت بحاجة لمكان تُفرغ فيه طاقتك وإحباطاتك”.
إن أحد تحديات العصر االحديث هو ما تسميه (فقدان الثقة) في العلاقة بين المعلم وطلابه في النظام التعليمي اليوم. وتقول: ” لقد كانت المدرسة حقاً بمثابة منزل آخر لك. وكان الإحترام قوياً ومتبادلاً بين المعلم والطالب، ولم يكن الطالب ليجرؤ على تجاوز حدود الأدب مع معلمه”. ” لقد افتقدنا هذا النوع من الاحترام، وأُثقل كاهل المعلم بالعمل والفصول الدراسية المكدسة بالطلاب، فكرس وقتاً أقل للطالب. لم يعد ذلك الرابط بين الطالب والمعلم موجوداً كما كان في السابق”.
أسست الشيخة جواهر عام 1982م نادي المنتزه للفتيات، وهو الأول من نوعه في دولة الإمارات. فهو يوفر بيئة آمنة للنساء والفتيات من كافة الخلفيات الثقافية للاجتماع وممارسة الأنشطة الترفيهية والإبداعية. وتقول: ” المرأة في دولة الإمارات لها مكانها الخاص وتُحترم حقوقها”. إلا أنها شعرت بأن المرأة ينقصها وجود متنفس لها، مكان تستمتع فيه.
وتضيف سمو الشيخةمتذكرةبأنه بعد أن طلبت إحدى المجموعات لأطفالهن أن يتعلموا الباليه، تم عمل دورات في الباليه، ثم طلبت مجموعة أخرى تدريب على الرقص النقري “يمكن لأي شخص اقتراح إنشاء دورات أو مبادرة، وسوف أبذل قصارى جهدي في إيجاد المدرب المناسب أو المنفذ الملائم الذي يساعد على إنماء الفكرة”.
تم نقل مكان النادي عام 1994م وأصبح نادي الشارقة للسيدات قبل أن يصبح نادي سيدات الشارقة عام 2004م. يقع النادي على الشاطئويحتوي على مرافق رياضية، ويقدم دوراتفي الموسيقى والرقص بالإضافة إلى المنتجع الصحي ومركز الفنون والتزحلق على الجليد وحقل رماية. يوجد عشرة فروع للنادي أصغر حجماً في كافة أنحاء الإمارة. كما أضاف النادي ملاعب تنس للسيدات اللواتي يرغبن في ممارسة اللعبة. تحب الشيخة جواهر هذه الرياضة. بالإضافة إلىمجلس مخصص للشعر، تجتمع فيه السيدات لقراءة أعمالهن المفضلة. تقول الشيخة جواهر: “أحب سماع الشعر، وبصفة خاصة الأبيات التي ينظمها زوجي، فهو شاعر وكاتب وفنان بكل معنى الكلمة”.
امتدت اهتمامات سمو الشيخة لتشمل الأطفال والشباب. فقد وصفت تطوير النوادي الإجتماعية والأنشطة التعليمية كبديل لثقافة المراكز التجارية بالمعركة المستمرة. ويرجع اهتمامنا بالمراكز التجارية إلى البيت والتنشئة كما تقول: ” لقد أصبحنا مجتمع استهلاكي بدلاً من أن نكون مبدعين ومنتجين”.
“لماذا يجب شراء كل ما هو جديد؟ ولماذا علينا الاستمرار في استيراد الأفكار والإبداعات من الخارج؟. إننا فقط نتحدث ونفخر بالإختراعات التي أنتجتها الحضارة الإسلامية. “تتوافر لدينا الأدوات والإمكانات، وما علينا سوى أن ندفع أبنائنا لاستغلال أفضل الفرص المتاحة عوضاً عن التسابق لشراء أحدث الأدوات”.
كما يعد دعم وحدة الأسرة من اهتمامات الشيخة الرئيسة. تقول الشيخة: “أصبحت العائلات الإماراتية تعتمد على الخادمات والعاملين بالمنزل بصورة كبيرة. والآباء لا يقضون وقتاً كافياً مع أبنائهم وتم التخلي عن الأدوار التقليدية للأجداد وسائر العائلة”. وتضيف قائلة: ” أنا أتفهم أن العديد يحاولن الموازنة بين العمل وحياتهن في البيت، إلا أن حتى ربات البيوت يكلفن الخادمة بالقيام بالأعمال المنزلية ويوكلن إليهن تربية الأبناء”. ” أؤمن بأن البداية تكون من الأم. فإذا غرست في الطفل القيم الصحيحة، يشب ليصبح مواطناً منتجاً”.
وتقول الشيخة جواهر إن احترام حقوق الآخرين والعدل من أساسياتبناء بيت سعيد وبالتالي بناء مجتمع سعيد. تعمل الأسر على إرهاق الخادمات بالعمل، وتترك لهن رعاية الأطفال ليلاً ونهاراً. فمتى تقضي الأم وقتاً مع أطفالها؟ لا تهتم الأمهات من التأكد من خلفية الخادمة أو قيمها. معظم الخادمات لا يصلحن مربيات. وفي الوقت ذاته نرى العائلة المتدينة حيث الوالد ملتحي والوالدة محجبة، ومع ذلك يسيئوا معاملة الخدم. وهذا ليس من الإسلام. فالإسلام لا يهتم بالمظهر وإنما بمعاملة الآخرين وما في داخل الإنسان.
تراقب الشيخة يومياً ما خلفته المدنية، بداية من ضعف في اللغة العربية والإنفصال عن الهوية الوطنية وحتى تدهور الأخلاق والآداب البسيطة. ” أرى أطفال في عمر ثمان سنوات يحملون الهواتف النقالة وأجهزة (الآي باد)، ويتصفحون الإنترنت دون رقابة، وهذا أمر خطير”. ويعد إنشاء برلمان الطفل بالشارقةالذي أُسس منذ عشرة أعوام أحد محاولات سمو الشيخة إشراك الأطفال في المجتمع من مبكرة، ويجرى حالياً النظر فيه للقيام بدور وطني.
يجري المشاركون انتخابات سنوية في المدارس. وتذكر الشيخة جواهر عندما طلب أحد الأطفال منها في أحد الجلسات تقديم نوعية طعام أفضل في المقاصف المدرسية. ” يرتدون الزي الرسمي في الجلسات ويطالبون بحقوقهم ويجدون أجوبة لأسئلتهم. إنها تشجع الطفل على أن يكون فعال، ويشارك في صناعة وتطوير البلد”.
وتقع الصحة ضمن دائرة اهتمامات الشيخة. فقد حاربت ضد المواقف الاجتماعية عند الإصابة بمرض عضال مثل السرطان المسمى بـ “الوحش”. هذا الوحش الذي غزا بيوت العائلات، تاركاً وراءه ضحية تعاني وحدها في خجل من هذه الوصمة.
أنشأت سمو الشيخة عام 1999م جمعية أصدقاء مرضى السرطان، والتي أدت إلى وجود حملة القافلة الوردية للتوعيةبسرطان الثدي. كما تم تأسيس منظمات مشابهة لمرضى الكلى والسكري والتهاب المفاصل. وتوضح قائلة: ” نحن ننافس لبناء أبراج عندما توجد مناطق في بلادنا بحاجة إلى الاهتمام والاستثمار”. ” لا نزال نفتقر إلى مستشفيات متخصصة في علاج الأمراض الفتاكة مثل السرطان. ونرسل المرضى للعلاج في الخارج، وهو ما يكلف الدولة الأموال الطائلة”. وتؤمن بأن: ” يجب أن يقوم المواطنون بدورهم في بناء مستقبل الدولة”. ” لا يمكننا انتظار أن تقوم الحكومة بكل شئ، فهناك العديد من المواطنين الأثرياء بإمكانهم التبرع وإعطاء مجتمعهم من خلال الاستثمار في الرعاية الصحية وكافة المجالات التي يحتاجها المواطن”.
ويدعم جهود سمو الشيخة فريق عمل من السيدات تطلق عليهن” أخوات وبنات”، يتابعن نجاح المشروعات ويطلعن الشيخة على الأمور الهامة. وتقول: ” أنا استمع لنصائحهن واقتراحاتهن، فنحن كعائلة هنا”. “لا يوجد مثل هذا الشئ وكأننا في إجازة. هواتفنا مغلقة وخطوطنا تظل مفتوحة”.
تفخر الشيخة جواهر بكل واحد من أبنائها الأربعة. “لقد تبع كل منهم حلمه وتفوق فيما أحب، وهم الآن يردون الجميل لمجتمعهم من خلال دعم الآخرين ومساعدتهم في تحقيق أحلامهم”. وتحرص الشيخة على تمسك أبنائها بجذورهم وثقافتهم بالرغم من دراستهم في جامعات أجنبية. وتنصحهم قائلة: “لا تتخلوا أبداً عن جذوركم، فهي الأساس في وقت الشدة”.
وتقول الشيخة الزوجة: “بأن زوجها عرفها إلى عالم الفن والتاريخ والثقافة، فقد كان بمثابة مدرسة لي”. من وجهة نظر الشخص الذي شهد تغييرات كبيرة على الشارقة ودولة الإمارات العربية المتحدة، تختم الشيخة جواهر بدرس من الحياة “الناس بحاجة إلى تجنب الإساء لبعضهم وتدمير الآخرين في سعيهم لتحقيق النجاح السريع. نافس ولكن لا تدمر منافسيك”. “أحب أن أعامل الناس كما أُحب أن أُعامل ، فإذا تدبر الناس هذه المقولة، فلن يكون هناك الكثير من المعاناة”.