أكدت حرم صاحب السمو حاكم الشارقة سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، ضرورة تغيير الثقافة التي يتلقاها الطفل اليوم، والتي تهدد أحياناً صحته وتأتيه من قنوات متنوعة وغريبة، وتجعل واقعه أصعب مما نشأنا نحن عليه، داعية سموها إلى طرح ثقافة بديلة تحفظ للطفل صحته وكيانه. مشيرة إلى أن مرحلة الطفولة هي أهم مراحل التنمية الشاملة المستدامة، وما لم تحظَ بالاهتمام والرعاية اللازمة بجميع جوانبها، ستتعرض أنماط حياتنا المستقبلية إلى بعض الغموض والجهل بمسارها.
ورأت سمو الشيخة جواهر أن الصحة مرتكز أساسي للمستقبل، الذي نصبو إليه، من خلال تنشئة جيل يتمتع بالصحة والتوازن في شخصيته. وأن صحة الطفل ليست مسؤولية المجتمع فقط، بل ومسؤولية دول، ويجب أن توضع لها دراسات تعكس الواقع بتحدياته.
كما نبهت رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة لعدم أخذ المعلومات الصحية غير المعتمدة من على مواقع التواصل الاجتماعي والوصفات العلاجية التي في معظمها تضر بالأطفال والمجتمع، والاعتماد على المختصين في تشخيص الأمراض والعلاجات.
جاء كلام الشيخة جواهر صباح أمس، خلال حضورها لانطلاق مؤتمر صحتي السادس، الذي تنظمه إدارة التثقيف الصحي في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، بالتعاون مع جامعة الشارقة، تحت شعار «نتحاور معاً لصحة أطفالنا»، والذي أقيم في قاعة الرازي في مجمع كليات الطب والعلوم الصحية جامعة الشارقة، ويستمر على مدى يومين.
أكدت سموها: عندما نلتقي من أجل الإنسان.. فإننا نلتقي من أجل الحياة.. وعمارة الكون.. هذه هي سمات لقاءاتنا في الشارقة؛ لأننا نؤمن بأن الإنسان هو من يجب أن نعمل ونبني لأجله.. أهلاً وسهلاً بكم في الشارقة.. في الإمارات العربية المتحدة.. لنجلس حول مائدة مرتكزها الطفل لنتحاور من أجل صحته.
أجواء متزنة
وقالت، إنَّ الحديث عن الطفل يقودنا بالضرورة إلى نمط الحياة المستقبلية التي نسعى لأن تكون أفضل، ويكتسب الحديث عن تنميته، وتوفير الظروف المناسبة لتربيته في الأسرة وفي المؤسسات التعليمية أهمية كبرى، لإيماننا بأن تنشئته في أجواء حياتية متزنة، تسهم في توازن شخصيته، وإثراء فكره بما يدعم وجوده في العالم الإنساني كفرد له حقوق، وعليه واجبات. وإن كان ذلك مرتكزاً لمستقبل الأمم، فإن هناك مرتكزاً آخر لا يقل أهمية، ويشكل مع الأول جناحين متجهين إلى تحقيق رؤانا التي نضع أسسها اليوم.. إنها الصحة.
وأضافت سمو الشيخة جواهر، أن طفلنا اليوم يواجه الكثير من الثقافات ذات البعد المختلف عما نشأنا نحن عليه.. هذه الثقافات تهدد أحياناً صحته، وتجعل الواقع فيه أصعب من أن نواجهه كأفراد وكأسر، لأننا في حاجة إلى تغيير الثقافة نفسها إلى ما يحفظ للطفل صحته وكيانه.. ولأن الوالدين هما حارسا الطفل، يحميانه من هجمات المخاطر المحيطة به، ويأخذان بيده إلى طريق الأمان، ويحتويانه بكل ما في الأمومة والأبوة من رفق وحنان ومودة.. فهما إذن المسؤولان عن صحته.. والمسؤولية تستدعي أن يكونا قدوته في اختيار العادات الصحية، التي تقوي جسده، وتراعي نفسيته، وتحافظ على اتزانه الفكري. ففي محيط الأسرة، يسير الطفل في ركب والديه وإخوته، ففيما يخص العادات الغذائية مثلاً، والتي تعتبر مصدراً محورياً لصحة الإنسان، نجد أن خياراته خياراتهم، تماماً كما هي عاداته في النوم والنشاط والحركة هي عاداتهم، فهو يبني وعيه وثقافته على ما يشاهده ويعايشه، بل إن مسؤولية الأسرة تتضمن تواصلها مع المؤسسات المجتمعية المختصة، فتنضم إلى برامجها وتشارك في فعالياتها كي تتعرف عن قرب إلى الوسائل المتبعة لوقاية الأطفال من الأمراض وسبل العلاج الناجع لدى الجمعيات الإنسانية التي لا تكتفي بتوفير العلاج، ولكنها تقدم برامج التوعية التي تحمي إنسان المستقبل من مخاطر الأمراض المعدية وغير المعدية، ومن مسؤولياتها ألا تعتمد في البحث عن العلاجات على معلومات غير مؤكدة، تدخل في إطار الاجتهادات الشخصية أو التجارب المنزلية أو الوصفات غير الصادرة عن طبيب مختص.
الأمراض المزمنة
وقالت سموها، لقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مثل هذه التجارب والوصفات، التي يقوم أصحابها بتعميمها على الناس باعتبار أنها تقي من مرض ما، أو تشفي، ومما يدعو للأسف أن كثيرين يسيرون وراء هذه المعلومات التي لا تأتي نتاج تجارب مخبرية مختصة أو علمية تنتهج قراءات بحثية وتجارب تكشف الحقيقة، وتصل الإنسان بالمعرفة. إن واقع اليوم يتطلب أن تتعايش الأسر مع الأمراض المزمنة لدى بعض الأطفال، واتباع نمط سلوكي اجتماعي وثقافي يطمئن الطفل، ويواكب احتياجاته النفسية التي تجعله يتغلب على مرضه والاستسلام له، وتجنيبه المواقف التي تجعله منعزلاً في ذاته عن المحيطين حوله، وعدم منحه فرصة الشعور بأنه مختلف إلا الاختلاف الإيجابي في قدراته الخاصة التي يمكن أن يبدع فيها.
وختمت سموها كلمتها بالقول: إن صحة أطفالنا مسؤولية المجتمع، بل ومسؤولية دول، يجب أن توضع لها دراسات تعكس الواقع بتحدياته، مما يسهل وضع برامج تصل بصحة الطفل إلى بر الأمان. وإن لقاءنا اليوم في مؤتمر «صحتي» السادس.. والذي يطرح شعار نتحاور معاً لصحة أطفالنا، يهدف إلى رفع مستوى الوعي والثقافة لدى الآباء والأمهات في مجال صحة الطفل، باتخاذ أفضل السبل والممارسات التي تعزز سلامته الجسدية والنفسية.. بل إنه يستهدف أيضاً كلَّ من له علاقة بتنمية الطفل من معلمين ومربين ومشرفين في المؤسسات التي توجه نشاطها وبرامجها للطفل. إن مرحلة الطفولة أهم مراحل التنمية الشاملة المستدامة، وما لم تحظَ بالاهتمام والرعاية اللازمة بجميع جوانبها، ستتعرض أنماط حياتنا المستقبلية إلى بعض الغموض والجهل بمسارها.
توعية الطفل
استعرضت إيمان راشد سيف مدير إدارة التثقيف الصحي بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة: «التوصيات التي نادت بضرورة إنشاء فريق متكامل، يشمل طبيباً ومثقفاً صحياً واختصاصي تغذية ومعالجاً نفسياً لمتابعة حالات سكري الأطفال؛ للمساهمة في الحد من تفاقم المرض لدى المصابين، وتوجيه الإعلام المحلي للحد من ترويج مطاعم الوجبات السريعة لوجبات الأطفال الملحقة بالألعاب والهدايا.
كما دعت التوصيات إلى تكثيف برامج التوعية في الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية دون حاجة طبية، وبيان أثرها السلبي في صحة أطفالنا. وإشراك الشباب أو اليافعين في تحديد توجهاتهم الصحية هو مفتاح لتحسين صحة المراهقين، ومثال على ذلك تفعيل دور الصحة ومناقشتها في مجالس شورى الشباب. ووضع استراتيجية توعية الطفل الصحية لمجتمع إمارة الشارقة توافقاً مع الأهداف الاستراتيجية للاستدامة الموضوعة من منظمة الأمم المتحدة، بهدف تقليل أسباب الوفاة لدى الأطفال أقل من 5 سنوات بحلول عام 2030. وأخيراً توفير خدمات داعمة للأطفال والمراهقين المصابين بالسمنة، من خلال فريق عمل مؤهل يشمل: «اختصاصيي تغذية، ومختصي نشاط بدني، ومختصين نفسيين وأطباء» لدعم وتأهيل الأسرة في الحد من السمنة لدى أطفالهم.
وأكدت أن المؤتمر يهدف إلى رفع توفير بيئة داعمة للأطفال كي ينمو في أجواء صحية واجتماعية ملائمة، تؤهلهم لأداء دورهم في بناء ورفعة المجتمع حين يكبرون ويتسلمون راية المسؤولية لمواصلة مسيرة التقدم والبناء التي بدأها الآباء والأجداد.
وسائل التشخيص
وكشف الدكتور حميد مجول النعيمي مدير جامعة الشارقة والشريك الاستراتيجي للمؤتمر أن الجامعة سوف تطلق مع بداية العام المقبل عيادة الطب المتنقلة، وهي عبارة عن شاحنة كبيرة تتوسع عندما تقف، وهي مزودة بمختلف وسائل التشخيص والعلاج للكشف على الصغار والكبار في مناطقهم. منوهاً بأن مستشفى الجامعة سبق أن عمل عيادة أسنان متنقلة تقدم خدمات لكبار السن.
وبالنيابة عن الدكتور علاء الدين علوان مدير منظمة الصحة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط، قال الدكتور أيوب الجوالدة المستشار الإقليمي المعني بالتغذية، إن مستقبل البشرية يتوقف على الأطفال وقدرتهم على تحقيق المستوى الأمثل من النمو الجسدي والنماء النفسي، فالحياة والبقاء على قيدها، وبلوغ الحد الأقصى من النماء، وإتاحة الخدمات الصحية ليست مجرد احتياجات أساسية للأطفال، بل هي حقوق أصيلة من حقوق الإنسان، واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل هي الصك الأساسي لحماية هذه الحقوق؛ إذ تجسد هذه الاتفاقية الإجماع العالمي بشأن المعايير التي تضمن الرفاهية الشاملة لجميع الأطفال والناشئة».
ويذكر أن المؤتمر جذب أكثر من 40 مشاركاً من أبرز الأطباء والخبراء والمختصين المحليين والعرب والأجانب في مختلف مجالات العناية بالأطفال وصحتهم البدنية والنفسية؛ ليتشاركوا بخبراتهم مع أولياء الأمور بما يعود بالنفع على الأسرة والمجتمع، من خلال جلساته التي تزيد على 14 جلسة وناقشوا عدداً كبيراً ومهماً من القضايا ذات العلاقة الوثيقة بصحة الأطفال والمراهقين، وتداعياتها المختلفة على الأسرة والمجتمع.