الشيخة جواهر: الشباب قوة فكرية وبوصلة للتنمية والسلام

دعت قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة مؤسسة «القلب الكبير»، المناصرة البارزة للأطفال اللاجئين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الشباب من حول العالم، وقادة المستقبل والمعنيين من مسؤولين وخبراء ومنظمات دولية إلى المشاركة الجادة والفاعلة في مؤتمر الاستثمار في المستقبل، لما يشكله من منصة تجمع بين الشباب من دول مختلفة في المنطقة وصناع القرار وممثلي الهيئات والمنظمات الدولية لبحث سبل التصدي للتحديات المصيرية التي تواجه الشباب ضحايا الصراعات والأزمات.
وأكدت سموها أن الشباب بما يشكلونه من قوة فكرية هم بوصلة المستقبل فإما أن يأخذوا العالم للتنمية والسلام أو يترَكوا لبناء مزيد من الحواجز والتطرف التي أفرزتها تداعيات الأزمات، وشددت على أنه لا يجوز التسليم والرضا بالواقع الصعب الذي يواجهه الملايين من الشباب جراء الأزمات والحروب والكوارث التي تشهدها العديد من المناطق حول العالم، وطالبت القادة والمنظمات الدولية بضرورة التوافق على خارطة طريق للخروج من حالة القبول بالأزمة وتوابعها إلى حالة المبادرة لتجاوز نتائجها على الشباب.
قالت سمو الشيخة جواهر القاسمي: «العالم اليوم أمام استحقاق أخلاقي ومصيري كبير: هل سنقبل أن تشكل الأزمات والصراعات واقع شباب العالم وأن تحدد الكراهية والجماعات المتطرفة شكل مستقبلنا؟ أم سنبادر إلى تقرير واقعنا ومصيرنا ومستقبلنا عبر هؤلاء الشباب؟». وأشادت سموها بالجهد الكبير الذي تبذله هيئة الأمم المتحدة بالتعاون مع المخلصين في العالم من أجل تحويل الطاقات الشابة من نتائج للأزمات إلى أسباب للنهضة والتنمية.

جاءت تصريحات سموها بمناسبة اقتراب موعد فعاليات مؤتمر الاستثمار في المستقبل الذي تنظمه مؤسسة القلب الكبير بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (هيئة الأمم المتحدة للمرأة)، ومؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، وقرى الأطفال SOS.
وينطلق المؤتمر في مركز الجواهر بإمارة الشارقة يومي 24 و25 أكتوبر الجاري، تحت شعار «الشباب: تحديات الأزمات وفرص التنمية»، بمشاركة أكثر من 60 متحدثاً و500 مسؤول وخبير وشاب من مختلف أنحاء العالم.
وقالت سموها: «تحتضن إمارة الشارقة مؤتمر الاستثمار في المستقبل إلى جانب عدد من الفعاليات الإنسانية والثقافية، لأنها أرادت لنفسها ولأبنائها وللتاريخ دوراً إنسانياً تنموياً منحازاً للحق والخير، دوراً يُحفظ في سجل إنجازاتها، ويترجم رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ويعكس جهود قيادات الإمارات الذين أرادوا التميز لهذا البلد على صعيد العمل الإنساني بوجه خاص».
وتابعت سموها: «نسعى من خلال المؤتمر الذي يتناول هذا العام تحديات الشباب ضحايا الأزمات إلى تغيير الظروف التي أثّرت في الشباب والشعوب، فمن الصعب تغيير واقع الناس ودورهم في الحياة، بدون تغيير ظروفهم وتحسينها وتوفير المحفزات التي تجعلهم يتعاملون مع التحديات بعزيمة وصبر».
وأكدت سموها أن «معاناة شخص واحد في هذا الكون هي معاناة الجميع، والظروف التي تقهر فئة صغيرة، في الحقيقة تقهر إنسانيتنا وتضعنا أمام استحقاق أخلاقي كبير. وسنقول في المؤتمر إن صناعة الغد تبدأ الآن، في هذه اللحظة، وأن دور الشباب في قيادة المستقبل يتحدد بما يتاح لهم من موارد ورعاية واستيعاب، وبمقدار تفاعلنا مع مطالبهم، فالشباب اللاجئ الذين اقتلعتهم الظروف من أوطانهم، هم أصحاب الكلمة والرسالة وصناع البرامج والخطط الخاصة بمعالجة تحدياتهم، لذا لن ننوب عنهم بقدر ما سنكون عوناً وسنداً لهم».
وأضافت سموها: «لقد رأينا ما يفعله إقصاء وتهميش الشباب بالمجتمعات والدول في الكثير من مناطق العالم، ورأينا أن بعض البرامج والمبادرات التي تصمم للشباب بدون مشاركتهم، توقفت وعجزت عن تحقيق نتائجها، ورأينا أيضاً أن الأمم إذا أهملت شبابها فقدت انتماءهم وخسرت طاقتهم، وهرمت وباتت عرضةً للأزمات».
وقالت سموها: «إن شباب هذه المرحلة بالذات يشكلون نقطة تحول في التاريخ، فإما أن يحفظوا علاقتهم بالأجيال الأخرى، ويذهبوا بنا نحو البناء والتنمية والتقدم بكل طاقتهم، وإما أن يبنوا حاجزاً بيننا وبينهم، ويلجأوا إلى خيارات لها آثار سلبية مدمرة».
وشددت سموها على أهمية الشعور بالانتماء في بناء قيم الشباب وأخلاقياتهم، وفي الحد من ظاهرة اجتياح الأفكار المتطرفة لأفكارهم ومفاهيمهم، وقالت: «إذا كانت الظروف قد اقتلعت ملايين الشباب من أوطانهم، فعلينا أن نحرص على حماية شعورهم بالانتماء، لأن الانتماء لا يكون للجغرافيا فقط بل للناس والمؤسسات».
وتناولت سموها كيفية تعاطي العالم مع المآسي الناجمة عن الصراعات والحروب والكوارث، وقالت: «النفس البشرية قادرة على التكيف والتأقلم والقبول التدريجي بما كانت ترفضه، بفعل الوقت وتكرار المشهد. لذا نريد لمؤتمر الاستثمار في المستقبل أن يكون ناقوساً يذكر العالم بفداحة نتائج الحروب والصراعات وخطورة تأثيرها على الشباب، ولا نريد أن يعتاد الناس على المآسي كمشهد يومي طبيعي، لأن في اعتياده عليها يكون قد فقد الكثير من قدرته على الإحساس بالآخر ومن ثم الإحساس بالذات. كما أن الاعتياد على المآسي يعني أن من تسبب بها سيظل يراهن على نسيان العالم أو قبوله بنتائجها، وكما قلنا«لن نقبل أن تشكل الأزمات مستقبل الشباب».
وأشارت سموها إلى أن المؤتمر هذا العام سيسلط الضوء على أهمية توفير الدعم والمساعدة للشباب من خلال الدول التي استضافت ضحايا الأزمات، خاصةً أن نسبة 85% منهم لجأوا إلى دول نامية تكافح من أجل النهوض باقتصادها وبنيتها التحتية وخدماتها الصحية والتعليمية.
واعتبرت سموها، أنه من خلال الوقوف إلى جانب الدول المضيفة يمكننا التخفيف من هذه النتائج السلبية، وعدم تركها وحيدةً في مواجهة مصيرها. وأشادت سموها بمبادرة الأمم المتحدة الخاصة باستراتيجية شباب 2030 التي تستهدف نحو مليار و800 مليون شاب، وإطلاق «شراكة الجيل اللامحدود» التي بدأها صندوق الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» لجمع وكالات الأمم المتحدة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والشباب.
واعتبرت سموها أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة تبدأ باحتضان الشباب وتحفيز قدراتهم على العمل والإبداع في مناخ من الحرية.
وقالت سمو الشيخة جواهر: «الكثير من مبادرات التمكين التي تستهدف الشباب، تركز فقط على تلبية احتياجات السوق ومواكبة الوظائف المستحدثة وليس على حاجات الناس والمجتمعات».
وقالت سمو ها:«نريد أن ننشئ جيلاً يمتلك ثقافة عمل سامية ونظرة إنسانية بعيدة المدى، وليس مجرد مهرة ومؤهلين على أداء الوظائف ومواكبة سوق العمل، نريد مزارعين ومهندسين زراعيين، ونريد من العالم أن يتيح لهم التقنيات والاختراعات، لزراعة الأراضي وتوفير الغذاء ومعالجة مصادر الشرب… نريد أطباء يفكرون في ألم المريض وليس بالعائد من مهنتهم، ومهرة حرفيين يعملون بأيديهم وينتجون السلع للناس، ونريد أن تتاح لهم التقنيات للتغلب على شح الغذاء وندرة مصادر الشرب النظيفة، وصعوبة تلقي العلاج في المناطق النائية، فإذا لم يستخدم شبابنا التكنولوجيا لحل المشكلات وتحقيق الاستقرار لمجتمعاتهم، فبماذا سيستخدمونها إذاً؟».

تمكين الشباب بالمهارات

شددت سمو الشيخة جواهر القاسمي قائلة:«علينا أن نتعلم من تجارب الماضي لنقول، لا نريد لشبابنا أن ينشأوا على فكرة تحقيق الذات بمعزل عن المجموع ولا نريد للنجاح أن يكون شخصياً فقط، بل لا يجب أن نعتبره نجاحاً إلا بعد قياس أثره الاجتماعي ونتائجه على الناس كافةً، لذلك ننظر إلى استراتيجية 2030 بتركيزها على تمكين الشباب وإكسابهم مهارات سوق العمل، على أنها نصف الطريق، أما بقية الطريق نحو مستقبل مزدهر ومستقر وآمن، خال من الجوع والفقر والأمية والأزمات، فتتمثل بتأهيل ثقافة المجتمعات للقبول بالشباب الذي يعاني من تحديات الأزمات والحروب بصفته الإنسانية، وعدم النظر إليه على أنه كائن عابر وجوده مؤقت، أو عبء على المجتمع، وتأهيل الثقافة لتتجاوز تقسيم الناس على أساس الجغرافيا والعرق والطبقة، إلى جانب تأهيل الاقتصاد ليتيح لهم مكاناً، ليس فقط في مؤسساته القائمة، بل في ساحة الإبداع والابتكار».
وأشارت سموها إلى أن البطالة ليست نتيجةً لتدني المهارات فقط، وقالت «إن العالم مليء بالخريجين والمتخصصين الذين لا يجدون عملاً لائقاً، مؤكدةً أن تمكين الثقافة والاقتصاد والمجتمع مقدمةً لتمكين الشباب وليس العكس».